مؤشر الديمقراطية يصدر موقفه من مشروع قانون تنظيم التظاهر



ثلاثة آلاف عام مرت على إنتزاع العمال المصريين لحقهم في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم من خلال التظاهرات و الإضرابات و الأشكال الإحتجاجية المختلفة ، عندما وقفوا أمام الفرعون الحاكم/الإله للمطالبه بأجورهم المتأخرة ، و بالقمح/العيش، عندما أضربوا عن العمل و طافوا بمسيراتهم و حاصروا المنشآت الحكومية بمظاهراتهم نهارا وأضاءوا ليل الأقصر بمشاعلهم المحتجة ليلا ، و لم تجد معهم محاولات التسكين أو التهدئة أو الرشاوي المؤقتة.
إضراب ثم ثورة قاربت على ذكراها المئوية منذ أن وقف المصريون في وجه المملكة الإنجليزية منظمين واحدا من أقوى حركات العصيان المدني و أهم الثورات للمطالبة بالحرية.
آلاف الأنشطة الإحتجاجية لم تخضع أمام عصا البطش أو القمع أو الترهيب التي مارستها الأنظمة البوليسية منذ بداية الجمهورية و حتى نهاياتها التي كان للتظاهر والثورات الكلمة الأولى في إسقاطها واحدا تلو الآخر.
الشعب المصري لم ينتظر من الداخل أو الخارج من يمنحه حق التظاهر، لكنه إنتزع هذا الحق و مارسه حتى قبل أن يعرفه العالم، هو نفسه الشعب الذي إستطاع إخضاع أعتي وأقوى الأنظمة بإستخدام الحق في التظاهر ، و هو ذاته الذي لم تستطع قوى داخلية أو خارجية مهما كان بطشها أو قوتها أن تسلبه هذا الحق .. هكذا قال التاريخ و قال الحاضر و سيقول المستقبل.
ربما تكون تلك المقدمة هي الأساس الذي ستطرح الورقة من خلاله رؤيتها حول مسودة قانون " حماية الحق فى التظاهر السلمى فى الأماكن العامة" و المعروف بقانون التظاهر ، وسوف تناقش الورقة رؤيتها من خلال عدد من النقاط و هي : 
*                     تشريعيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاَ :
منذ بدايات عملية سن قوانين تنظم الحق في التجمع السلمي والتظاهر في مصر في مطلع القرن الماضي كان هناك تقييدا واضحا من قبل المشرّع للحق في التظاهر، فعندما كانت الدولة المصرية تحت الإحتلال البريطاني أصدرت أول قوانين تنظيم هذ الحق أو بالأحرى تقييده مثل قانون 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر، والمعدل بالقوانين أرقام 14 لسنة 1923، و28 لسنة 1929، و87 لسنة 1968، الذين مثلوا رغبة قوية من المحتل في تقييد الحق لضمان السيطرة على الدولة وإخضاع أي عناصر معارضة ، و لم يختلف التعديل الصادر عام 1968 بعد جلاء الاحتلال كثيرا عن سابقيه في تحويل الحق في التظاهر لعملية تسيطر عليها السلطة التنفيذية و خاصة أجهزة الأمن التي حولها لأجهزة قمع لهذا الحق.
خلال حكم مبارك تجسدت كافة ملامح تحويل الجهاز الأمني لجهاز قامع لكافة أشكال التظاهر و الإحتجاج و تعمد عدم القيام بأية تعديلات أو إصلاحات تشريعية لهذا الحق بل أنه إستخدم قانون الطواريء بشكل فج في تقييد الحق في التظاهر ، لكن في النهاية أزيح مبارك بثورة كان أصلها التظاهر السلمي.
أتي نظام الرئيس المعزول محمد مرسي ليطرح قانونا ينظم الحق في التظاهر لكنه قوبل بهجوم كافة الأطياف السياسية والحقوقية و شنت جماعته حملة منظمة ضد التظاهر و المتظاهرين و إنتهجت كافة الوسائل لإلصاق كافة مشكلات الدولة بالمتظاهرين و مظاهراتهم ، لكنه أزيح و بأشكال تظاهرية و نظم في عهده واحدة من أكبر الموجات الإحتجاجية و صلت لـعشرة آلاف[1] إحتجاج خلال عامه الرئاسي الوحيد.
تطرح علينا حكومة الببلاوي مشروع ينظم الحق في التظاهر في لباس جديد لكن مضمونه يعد تكرارا لمشروع حكومة قنديل أو تقنينا لممارسات الأمن القمعية للحق في التظاهر .فقد أقرت كافة التشريعات الدولية [2]الحق في التظاهر و التجمع السلمي، و كذلك كافة الدساتير المصرية بداية من دستور 23 وحتى دستور 2012 الجاري تعديله، وأن مصدر هذا الحق هو النص الدستورى، وليس للسلطة التنفيذية إلا سلطة تقديرية بشأن ممارسة المواطنين لهذا الحق، ولا يملك المشرع العادى إذاً أن يقيده أو يعطله، أو يفرغه من محتواه، و أن يهدر غاياته، بل إن هذا الحق لا تحتاج شرعية ممارسة إلا مجرد الإخطار البسيط للسلطة التنفيذية وفقاً لما ينظمه القانون. وبالتالى فإن هذا القانون المنظم للتظاهر لابد أن يلتزم أساساً بطبيعة هذا الحق، وغاياته ووسائله، ولا يملك المشرع أن يقيده بأية شروط أو إجراءات تتناقض مع طبيعته الدستورية، وإلا اعتبر المشروع قانونا لمنع وحظر التظاهر[3] و هو ما تبرهنه النقاط التالية :
§     إذا كانت القوانين المنظمة للحق في التظاهر تعتمد بالأساس على نصا دستوريا ، و في الفترة الراهنة فإن الدستور المصري معطل ويعاد ترميمه أو تعديله فإلى أي أساس دستوري إعتمد مشروع القانون المقدم ؟
§    كيف للسلطة التنفيذية أن تضع مثل هذا القانون في غياب تام لسلطة التشريع ( مجلسي الشعب الشورى )؟، بشكل يجعل منها مشرعاً ومنفذاً و هو ما ينافي كافة الأعراف الدستورية ، في حين هاجمت كافة مؤسسات الدولة و ربما جانب من واضعى هذا المشروع حكومة قنديل عندما سعت لإقرار قانون مماثل في ظل غياب مجلس الشعب و بالرغم من وجود مجلس الشورى بحجة أن سلطة التشريع غير مكتملة وأنه لا يحق للشورى أن يستأثر بسلطة إقرار مثل تلك القوانين في ظل غياب مجلس الشعب.
§     أن القانون جاء في مجمله مجرما للإعتصام في كافة الأحوال بشكل جعل مادته (7) تنص على يحظر- فى ممارسة الحق فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة- الاعتصام أو المبيت بأماكنها " و ذيلت مادته (16) بنص  ".. وفى غير حالات الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة يحظر على أى فرد الدخول لحرم المواقع المشار إليها لنصب منصات خطابة أو إذاعة بها لاستخدامها فى هذا الغرض، أو نصب خيام وما شابهها، بغرض الاعتصام أو المبيت بها".بشكل حظر الإعتصام نهائيا،  " و جرم ممارسة أحد المسارات الشرعية للحق في التجمع السملي والتظاهر وهو الإعتصام و هو ما يعد إنتقاصا متعمدا من الحق .
§     أعطى القانون سلطة مطلقة للأجهزة الأمنية في تنظيم عملية الإحتجاج بشكل جعل سلطة الرقابة القضائية على تنظيم هذا الحق هامشية وشبه معدومة ، وجعل من سلطة جهاز الأمن شبه مطلقة من حيث :
¿    أضحت الشرطة هي الجهة المنوط بها تلقي إخطارات التظاهرات و الإجتماعات و النظر فيها وفق ما أقرته المادة (8) التى نصت على أنه " يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو مظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته مكان الاجتماع .. ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بسبعة أيام عمل على الأقل، على أن يتم تسليم الطلب باليد أو بموجب إنذار على يد محضر، كما يجب أن يتضمن الإخطار البيانات .. " .
¿    أعطت المادة (9) للشرطة حق التدخل بين أصحاب الحق و كافل الحق تحت ما سمي بمحاولات لإيجاد حلول ، حيث نصت على أنه على وزير الداخلية أو من ينيبه- قبل عقد الاجتماع أو تسيير الموكب أو المظاهرة- إخطار الجهات المعنية بمطالب المجتمعين أو المشاركين فى الموكب أو المظاهرة المخطر عنها، من أجل محاولة إيجاد حلول لتلك المطالب أو الاستجابة لها." و رغم أن المادة في ظاهرها شيء من الرحمة لكنها تعكس تغول دور الشرطة حتى في إيجاد حلول بين صاحب وكافل الحق الأمر غير المعني بهذا الجهاز لكنه مسئولية سلطتي التشريع والقضاء بالأساس ، كما أن ما تبع تلك المادة من مواد أطلقت زمام القرار بالموافقة أو رفض المظاهرة بين يدي الشرطة ، يزيد التخوف ؛ حيث أنه يفتح الباب أمام الجهاز الشرطى لرفض اقامة تظاهرات بحجة أنه خاطب الجهات المعنية أو كافل الحق وأنها وجدت حلولا مقنعة من وجهة النظر الأمنية أو خلافه.
¿    أعطى القانون لوزارة الداخلية السيطرة المطلقة على اللجان التي يقترح إنشائها بالمحافظات و المعنية بتنظيم ضوابط التظاهر وفق ظروف كل محافظة ، حيث نصت المادة (10) على أن "يصدر وزير الداخلية قرارًا بتشكيل لجنة فى كل محافظة برئاسة مدير الأمن بها، تكون مهمتها وضع الضوابط والضمانات الكفيلة بتأمين الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات المخطر عنها، وطرق التعامل معها فى حالة خروجها عن إطار السلمية، وفقًا لأحكام القانون 
¿    أعطت المواد ( 11 ، 12 ، 13، 14 ، 15 ) للجهاز الشرطي الحق في رفض التظاهر تحت مسميات فضفاضة أو غيبية حيث تضمنت الماد (11) من القانون، حق الجهاز الشرطي في فض المظاهرة إذا وصلتهم معلومات أن القائمين عليها سوف ينصرفون عن هدفها الرئيسي ، وأنه على المتضرر من الفض اللجوء للقضاء ... كما سمح القانون للجهاز اتخاذ ما يلزم من تدابير و إجراءات لتأمين المظاهرة أي إخلائها من أي مواد يراها خطيرة أو حارقة أو ضارة ، بشكل يسمح للجهاز الأمني بتفتيش المتظاهرين ومصادرة أدواتهم تحت بند فضفاض مثل مصادرة يافظة على أنها تخدش الحياء أو تضر بالمواطنين على سبيل المثال .
جهاز الشرطة وفق هذا القانون أصبح الوصي الأول على الحق في التظاهر و المتحكم الأوحد في مقاليد أموره و حائط الصد الأول بين الحراك الإحتجاجي و بين كافل الحق أو مؤسسات الدولة ، بشكل جعل القانون يتحول لآداة لتقنين تجاوزات الجهاز الشرطي ضد المتظاهرين و قتل الحق في التظاهر في مصر بحيث أصبحت نصف مواد القانون المنظم لهذا الحق تعمل على حماية ردود أفعال الجهاز الشرطي ضد التظاهر و ليس حماية التظاهر.
§      لم يتطرق القانون عن ذكر أية مواد متعلقة بحماية المتظاهرين أو كفالة هذا الحق من الإعتداء عليه من قبل أطراف غير منظمة كسكان المنطقة المقام بها التظاهر مثلا ، أو ما يسمونه مرة طرفا ثالث و مرة إرهاب و تارة ثالثة بلطجية النظام ، لكن القانون تعامل مع منظمي المظاهرات على أنهم طرف عليه الإنصياع لكافة تحكمات و قيود هذا القانون دون أدني حماية لهم حتى إن إلتزموا بالقانون.
§     أغفل القانون بشكل تام دور سلطتي التشريع والقضاء بحيث لم يذكر أو يشار لسلطة التشريع في أي من مواد القانون ، بينما تم الإشارة الهامشية للسلطة القضائية التي تلعب دورا شبه معدوما في عملية تنظيم الحق في التظاهر و فقا لهذا القانون الذي مثل تغولا من سلطة التنفيذ على كافة السلطات بما يعكس مؤشرا تشريعيا خطيرا ينذر بإعادة منظومة تشريع ما قبل الثورة أو ربما أسوأ.
§     لم يتطرق القانون لتنظيم الإحتجاجات العمالية أو الإحتجاجات الطلابية كنموذج لقطاعات لها وضعها الخاص في عملية التظاهر و الإعتصام و لكنه تعمد إغفال حقوق العمال في التظاهر عندما حظر التظاهر أو الإضراب المعطل للإنتاج مثلا ، أو في حرم مؤسسات الدولة بشكل يفتح الباب أمام تطبيقه في الجامعات أيضا.
§     ضيق القانون على ممارسة الحق بشكل واسع بحيث فرض إخطارات مسبقة بسبعة أيام مهما كان الحدث مهم و ترك سلطة التقدير بيد الأمن و بذلك قد كافة فاعليات التظاهر كرد فعل على أحداث توجب التدخل أو رد الفعل السريع ، كما أنه عاد بنا لقانون الطواري في إعتباره أن أي جماعة أكثر من 10 أشخاص هي موكب أو مسيرة حتى وإن كانت لأغراض غير سياسية ، فأضحت رحلات الجامعات و تجمعات الأصدقاء و الأفراح والمناسبات وحتى تجمعات الجنازات عرضة للتدخل الأمني و التضييق إن صح التعبير .
§     الإفراط في العقاب : حيث شدد القانون على الحبس و الغرامة ومعاملة الخارجين عن قواعد المظاهرة معاملة تشبه المتهمين الجنائيين و بصورة إمتدت ليست لفاعلي الخروقات الإحتجاجية فقط بل للمحرض و المساعد، مما يعرض جميع من في التظاهرة للعقاب على أخطاء شخص ربما يكون مندس من أي طرف يهمه إفشال المظاهرة ، و قد أفرد القانون المواد من ( 17 – 25 ) لوصف العقاب الذي يفرضه على المخالفين و الذي وصل لسنوات من السجن ومئات الآلاف كغرامة رغم أن معظم المواد العقابية المذكورة بالقانون كحمل السلاح و غيرها لديها ما ينظم عقوبتها بقانون العقوبات المصري ، لكن إفراد القانون لـ 9 مواد من إجمالي 25 مادة أساسية و مادتين تتعلق بالنشر أي بما يعادل ثلث القانون من أجل إقرار عقوبات على المتظاهرين ، بالإضافة لـ 6 مواد لتمكين الجهاز الشرطي ، وفي النهاية يريد واضعو هذا القانون أن يطلقوا عليه إسم قانون تنظيم الحق في التظاهر ؟!!
إن المآخذ السابق الإشارة إليها قد عكست من وجهة نظر تلك الورقة البحثية ... أن قانون التظاهر المقدم من حكومة الببلاوي قد فقد مصدر قوته الدستورية ، و يعمل على تغول سلطة التنفيذ في شأن إدارة هذا الحق ، و تقيد نصوصه الحق في التظاهر و تعطله لا تكفله وتتيحه ، و أحالت تقييداته الإخطار من إجراء إحترازي لإجراء تعجيزي ، و أصبح القانون في مضمونه لا يلتزم بطبيعة الحق في التظاهر و مساراته ، و يقيد هذا الحق بالعديد من الشروط و العقوبات بشكل يناقض تماما الطبيعة الدستورية لهذا الحق و يحيله لقانونا يمنع التظاهر لا يمنحه.


سياسيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاَ :
إن مشروع قانون التظاهر محل النقاش يعكس نوايا حكومية لم تستطع تلك الأوراق سوى تصنيفها وفق فرضيتين ؛ أولهما: هو رغبة النظام القائم في اخماد حركة الإحتجاج الحالي والتي يمثل الإخوان قوامها الأساسي و الذي رأى من المدخل التشريعي آداة لتقنين ما ستذيقه الأجهزة الأمنية لتلك التظاهرات. أما الفرضية الثانية فتتمثل في رغبة الحاكم في إخماد الحراك الإحتجاجي الحالي والمستقبلي سواء سينفذه الإخوان أو تنفذه أي جماعات مصالح مهما إختلفت الأسباب، و أن يمكن ليد الأمن لتصبح عصا البطش المقننة بالحراك الإحتجاجي في مصر ، تحت مسميات الحفاظ على الأمن و الممتلكات و غيرها من الشعارات التي رفعتها كافة الأنظمة السابقة و مارست من تحت عباءة تلك الشعارات أبشع الإنتهاكات لحقوق المواطن المصري .
إن الظرف الحالي ربما يمكن السلطة التنفيذية من إقرار هذا القانون ، حيث الإحتجاجات و العنف السياسي و عمليات الإرهاب تملأ الدولة ، والتي تسوقها العديد من الأبواق السياسية و الإعلامية على أنها لن تهدأ سوى بعصا القوة والردع ، في ظل إيمان من قبل جموع المواطنين بهذا المبدأ في التعامل مع التظاهرات خاصة بعدما أصبحوا هم القامع الأول للحراك الإحتجاجي ، و إقتناع تام من قبل هؤلاء الجموع بالقيادة الحالية ، بالشكل الذي لو فرضنا حدوث إستفتاء على تلك القوانين ستحظي على أقل تقدير بتأييد 80% من المصوتين .
ورغم رفض العديد من الأحزاب و الحركات السياسية و المنظمات الحقوقية لهذا القانون ، و رغم إستخدام الإخوان لهذا الآداء الحكومي المتعثر كوسيلة للهجوم و لزعزعة النظام الحالي أو التغيير في آراء المواطنين نحوه ، إلا أن تلك الأحزاب والقوى سواء الراديكالية الدينية أو السياسية لا تستطيع بحق التأثير بالشارع بعد ما نراه من قدرتها التنظيمية الشبه منعدمة و تكرارها للعديد من أخطاء أحزاب ما قبل الثورة و إنقسام موقفها بين طامح لنيل الرضا ومعارض على إستحياء بالإضافة لكم الغضب الذي يحمله الشارع على المعارض الأقوى حاليا بسوبه السياسي الإرهابي ، وهو ما جعل الشارع المصري وبكل وضوح قادر على أن يمرره كما مرر كافة الإستفتاءات التي أقامتها فترات الحكم الدكتاتورية السابقة تحت راية الإستقرار و الأمن ، ربما لأنه يرى ما لا يراه الجانب المعارض أو ربما لتحكم العاطفة في إختياراته أو لأسباب ثقافية و ضغوط إقتصادية أو لحالة من التراكم القمعي الذي عاشه الشعب أو بسبب كافة تلك الأسباب مجتمعة ، لكن المحصلة ستكون واحدة و السلطة التنفيذية تعلم هذا جيدا وتتعامل هي الأخرى بسياسة إسترضاء الشعب و اللعب بعواطفه و إحتياجاته من أجل تمرير كافة عثراتها .
لذا فإنه رغم أن الطرق ممهدة لإقرار مثل تلك القانون و بكل بساطة لن تحدث تلك المعارضة له ضغطا قادرا وبحق على الحياد عن إقراره ، لذا فإن على النظام الحالي في مصر أن يعلم أن هذا القانون سيعد نقطة تحول في العلاقة بينه وبين فصيل كبير من الشعب ، وأن مسئوليته الحالية تتطلب ألا يستغل تلك الأصوات المؤيدة فغالبا ما تنقلب تلك الأصوات لموجات تغيير جذري إذا لم تتحقق مطالبها أو أسيء إستخدام تأييدها.
لكن المشهد الدائم الحضور على الساحة السياسية المصرية هم هؤلاء الذين يأكلون على كافة الطاولات و يهللون لكل سائق و يستطيعون ببراعة أن تتقلب مواقفهم و قبلاتهم وفق توقيت الحاكم الحالي ، وهؤلاء هم الأخطر على ديمقراطية هذا الوطن من أعتى النظم الدكتاتورية أو القونين القمعية.
*                    الخاتمة والتوصيات :
من خلال العرض السابق لوجهة نظر الورقة حول مشروع القانون الخاص بالحق في التظاهر فإن المؤشر يرى أنه على الدولة المصرية إعادة النظر في تقييم الأوضاع الحالية و بالتالي إعادة إنتهاج سياسيات جديدة تمكنها من منح الحريات و كفالة الحقوق و إحتواء أضرار و سلبيات الإستخدام السلبي أو الشيء لتلك الحقوق والحريات وذلك وفق الخطوات التالية :
1.     إتخاذ التدابير والإجراءات المؤقتة لإحتواء أعمال التظاهرات و الحركات الإحتجاجية العنيفة أو المعرقلة للمواطن والدولة و خاصة إحتجاجات جماعة الإخوان و فروعها بالمؤسسات التعليمية ، وبشكل لا يمثل إقصاءا أو تمييزا .
2.     أن تتوقف الدولة عن إصدار أية قوانين حتى الإنتهاء من الإستفتاء على الدستور وإنتخابات السلطة التشريعية  لضمان الأساس الدستوري و الغطاء التشريعي للقوانين المراد إقرارها.
3.     أن تعيد الحكومة مشروع التظاهر وأية مشروعات قانونية للنقاش المجتمعي و أن تعتمد في هذا النقاش على مشاركة أساسية من قبل المنظمات الحقوقية العاملة في المجالات الخاصة بالتشريع و التي لديها من الخبرة والكفاءة ما يؤهلها لإثراء تلك القوانين وتأطيرها وفق التزامات مصر الدولية و ظروفها المحلية .
4.     أن تقر الحكومة مجموعة من الإجراءات والتدابير التمهيدية لإقرار تلك القوانين مثل حملات التوعية والتثقيف عوضا عن التوجيه والأدلجة ، وأن تعمل النظام على بناء ثقافة الحق لدى المواطن عوضا عن تبنيه سياسة البطش القانوني.
5.     أن تبحث الحكومة بالشراكة المجتمعية الحقيقية في البدائل المناسبة للمشكلات المؤقتة دون أن تفرض عقوبات على المستقبل بسبب أخطاء الحاضر والماضي ، وأن تعتمد سياستها التشريعية على منح الحرية لمواطن لديه ثقافة المسئولية.






[1] تقرير مؤشر الديمقراطية بعنوان " مؤشر الآداء الإحتجاجي للعام الرئاسي الأول– يونيه 2013 -  للإضطلاع https://app.box.com/s/oltx0my70bnzz3aqjzue
[2] أنظر الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1958 ،وأيضا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, حيث نصت المادة (21) منه على ان »يكون الحق في التجمع السلمي معترف به ولا يجوز ان يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق الا تلك التي تفرض طبقا للقانون, وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي, لصيانة الامن القومي, او السلامة العامة, او النظام العام, او حماية الصحة العامة, او الآداب العامة او حماية حقوق الآخرين وحرياتهم«. – أنظر  النص على حق العمال في الاضراب بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمادة (8/1/د)وكذلك في الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية.

[3] تنظيم الحق الدستورى فى التظاهر – مقال لـ المستشار / محمد حامد الجمل – رئيس لجلس الدولة الأسبق – حول تعليقه على مشروع القانون المقدم من حكومة قنديل حول تنظيم الحق في التظاهر خلال 16فبراير من نفس العام 2013 . يمكن متابعة  المقال (http://www.alwafd.org ) .

شكرا لك ولمرورك