مؤشر الديمقراطية: 1461 حادث عنف وإرهاب سياسى خلال الربع الأول من العام الحالى‎



 تقديم :
استكمالا لأنشطة مؤسسة مؤشر الديمقراطية في رصد و تحليل مؤشرات العنف و الإرهاب السياسي في مصر ، فإن المؤشر يقدم
تحليلا إحصائيا كاملا لهذا الكم الضخم من الأحداث التي عكست استمرار حدة العنف الممارس بشكليه الرأسي والأفقي في الدولة المصري، وهو ما ستوضحه الفقرات القادمة.
أولا: الوصف الكمي للأحداث :

احتل شهر يناير صدارة خريطة العنف و الإرهاب السياسي في مصر بعدما شهد 664 حادث، كانت أوجها خلال العشرة أيام الأخيرة من الشهر في ذكرى ثورة يناير، بينما شهد شهر فبراير 419 حادث، وفي المرتبة الثالثة يأتي مارس الذي شهد 378 حادا، وبذلك تكون مصر قد شهدت 1461 حادث عنف وإرهاب سياسي  خلال الثلاثة أشهر المنقضية من العام الحالي، بمتوسط 16 حادث يوميا ، وحادثتين كل ثلاث ساعات.
ثانيا : الوصف الكيفي للأحداث :
1.        طبيعة الأحداث :
كانت أولى ملاحظات المؤشر على طبيعة أحداث العنف و الإرهاب السياسي خلال فترة التقرير، هي تصدر أحداث التفخيخ وزراعة المتفجرات في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة، ورصد المؤشر 821 حادث، منهم 535 قنبلة تم إبطالها، و 286 تفجير نتاج عبوة ناسفة أو قنبلة صوتية، و هو ما يجعل تلك الأحداث تتصدر مظاهر العنف و الإرهاب السياسي بنسبة 56.2% .

جاء العنف الممارس من قبل الدولة ضد المواطنين المعارضين في المرتبة الثانية بنسبة 15.5% ، بعدما فرقت قوات الأمن 226 تظاهرة واحتجاج، واستخدم الأمن القوة بشكل إما نشب عنه اشتباكات مع المحتجين أو تفريق المظاهرة بالكامل و في كافة الأحوال كانت هناك خسائر بشرية واقتصادية، كما رصد التقرير اطلاق الشرطة النار بشكل مباشر على مواطنا، كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على جنازة مواطن، وبذلك كانت قوات الأمن المتسبب الأول في 228 حادث عنف .
مثل استهداف تخريب المؤسسات الحيوية جزءا هاما من مظاهر العنف و الإرهاب السياسي الممارس ضد الدولة، مثل تخريب محولات الكهرباء وأبراج الضغط العالي، أحد أهم أشكال تلك الظاهرة حيث رصد المؤشر 115 حالة تفجير وإتلاف لمحولات وخطوط الضغط العالي الكهربائية بنسبة بلغت 8% تقريبا من أحداث العنف .
كان إطلاق النار و القذائف على العناصر والمنشآت الأمنية رابع أكثر وسائل العنف انتشارا بعدما رصد المؤشر 113 حادث منهم 71 حادث ضد الأفراد و 42 حادث ضد المنشآت  من قبل مسلحين.
و استكمالا لحلقة تخريب ممتلكات الدولة رصد المؤشر 65 حالة القاء مولوتوف على تلك الممتلكات و إشعالها ، في حين رصد 37 حالة تحطم/شعال/قصف لممتلكات المواطنين من قبل مجهولين، في حين تم اشعال النيران في 19 سيارة مملوكة لضباط وقضاة .
نفس تلك الجماعات المجهولة التى تقف وراء العديد من أحداث العنف، نفذت 17 حادث قطع طريق ، واستهدفت 11 من أبراج المحمول، وأطلقت النيران على القطارات في 11 حادث، في حين شهدت فترة التقرير 10 حالات خطف لجنود ومواطنين انتهت غالبا بقتل المخطوفين ؟!
في ذيل مسارات العنف جاء حرق مجموعات مناصرة لجماعة الاخوان لممتلكات المواطنين و اعتدائهم عليها في 8 حوادث، في حين تم مهاجمة ممتلكات جماعة الاخوان أو مناصريها في 5 حوادث، و شهدت الدولة 5 حوادث سرقات لسيارات حكومية واستخدامها في عمليات ارهابية.
2.      منفذو أحداث العنف و الإرهاب السياسي خلال فترة التقرير:
المدقق في الحوادث خلال فترة التقرير سوف يلحظ أنها انتهجت مسارين أحدهما رأسي يمثل العنف المتبادل بين الدولة ومجموعة من المواطنين/الرعايا/المقيمين، وأخر أفقي يمثل العنف بين نفس الشرائح المجتمعية من المواطنين، ولكن المؤشر كان له الملاحظات التالية:
-     أن معظم أحداث التفجيرات و زرع القنابل والعبوات الناسفة وإن كان المتهم فيها مجهولا في معظم الأوقات إلا أن هناك مؤشرا خطيرا عن تورط مجموعات شبابية تتراوح أعمارها بين 14-21 عام قد نفذت تلك الأحداث و هو ما أظهرته أخر حادثتي انفجار العبوات في زارعيها و الذين كانوا إما طلابا بالثانوية العامة أم الجامعة، وهو ما يضع أمام الدولة سؤالا ضخما حول إجراءاتها القادرة على حماية هؤلاء الشباب من الإنزلاق في تلك الأعمال الإرهابية !
-     أن الجهاز الأمني للدولة تورط في 228 حادث عنف خلال فترة التقرير و هو ما جعله اليد الطولى للدولة في ممارسة العنف ضد معارضيها.
-     أنه رغم العمليات العسكرية التي تنفذها الدولة في سيناء إلا أن عمليات الخطف للجنود والمواطنين و قتلهم لا تزال مستمرة بل وفي تصاعد ، وكذلك عمليات استهداف الكمائن الأمنية، والأكثر خطرا هو العروض العسكرية لبعض الجماعات الإرهابية .
-     أن جماعة الإخوان ومناصريها هم اهم الفصائل المتورطة في العنف و التي تمارس مع الدولة حربا ضروس تستخدم فيها كافة أشكال العنف ، وتقابله الدولة بعنف مقابل في مسرحية ممتدة منذ يوليو 2013 وحتى الآن.

3.      جغرافية الأحداث ( أماكن وقوع الأحداث) :

عمت ظاهر العنف 25 محافظة مصرية، وتصدرت القاهرة قائمة المحافظات التي شهدت عنفا بـ 177 حادث، لكن شمال سيناء التي شهدت 156 حادث عنف و ارهاب سياسي تعد أكثر المحافظات دموية ومسرحا حقيقيا للعنف، جاءت محافظة الجيزة في المركز الثالث كأكثر المحافظات عنفا بعدما شهدت 153 حادثة، تلتها الإسكندرية بـ 137 حادث، ثم الشرقية التي انتشرت بها تفجير محولات الكهرباء واستهداف عناصر الشرطة شهدت 123 حادث، تليها محافظة الفيوم بـ 111 حادثة، وبذلك تكون تلك المحافظات الست قد شهدت 59% من أحداث العنف والإرهاب السياسي خلال فترة التقرير بإجمالي 857 حادث.
جاءت محافظات الغربية وبني سويف و المنوفية في المراكز من السابع للعاشر بعدما شهدوا 73، 72 ، 71 حادث ، تلاهم محافظات القليوبية بـ 65 حادث ثم البحيرة بـ 59 حادث ، و المنيا بـ 53 ثم الدقهلية بـ 43 حادث وفي ذيل القائمة كانت محافظة الوادي الجديد التي شهدت حادثا واحدا.
4.       الكلفة التي تتكبدها الدولة من الأحداث :
أ‌.        الخسائر البشرية :
تسببت أحداث العنف و الإرهاب السياسي في وفاة 174 مواطن مصري ، أي أن الدولة المصرية يقتل فيها متوسط مواطنين باليوم الواحد نتيجة تلك الأحداث، في حين رصد المؤشر إصابة أكثر من 600 مواطن.
تلك الخسائر البشرية تولد المزيد من الخسائر لآلاف  الأسر و العائلات المصرية و هو ما يحفز بدوره المناخ المساعد على تفشي العنف والإرهاب  في الدولة نتيجة حالات الغضب و الثأر و الاحتقان التي تولدها الخسائر البشرية.
ب‌.   الخسائر الإقتصادية:
لن يكن من الموضوعية تحديد مبلغ دقيق للخسائر الاقتصادية الهائلة التي تتكبدها الدولة نتيجة ممارسات أحداث العنف والإرهاب السياسي، لكن هناك بعض المؤشرات التي تعكس حقيقة ما يحدث و ما يتحمله المواطن المصري من خسائر يومية، يوجزها التقرير في النقاط التالية:
¿    أن متوسط تكلفة محطات الكهرباء وشبكات الضغط العالي التي يتم تدميرها هي من 1 – 2 مليون جنيه بالإضافة لأضعاف تلك الخسارة نتيجة تعطل بيع الطاقة أو اهدارها، أي أنه خلال الربع السنوي الأول تم تدمير 115 محول كهربائي بمتوسط خسارة 400 مليون جنيه.
¿    أن السكك الحديدية قد خسرت في يوم واحد خلال شهر يناير 25 مليون جنيه نتيجة أعمال العنف ، ناهيك عن خسارتها لما يعادل مليار جنيه مصري نتيجة أحداث العنف منذ يناير 2011 وحتى سبتمبر 2014.
¿    أن التحركات العسكرية التي تتم من قبل الأمن لفض المظاهرات السلمية تكلف الدولة ملايين الجنيهات هي أفضل إن تم استثمارها في تطوير جهاز الشرطة أو حماية المواطن .
¿    أن هناك 286 تفجيرا قد ألحقوا خسائر إقتصادية فادحة ليس فقط في حجم ما دمر من منشآت و ممتلكات ولكن على الحجم الأكبر في صدى ذلك على أمن المواطن و أمن السائح وأمن الإستثمار.

5.      طبيعة ردود فعل الدولة تجاه أحداث العنف :
اعتمدت الدولة في مواجهة العنف بالعنف تارة و بالتعبئة الإعلامية تارة أخرى و هو ما خلق مناخا محفزا للمزيد من العنف المتبادل، في حين تناست الدولة فتح أي سبل للحوار والتفاوض و المسارات التقريبية التي يجب أن تسير بالتوازي مع أي استنفار أو إجراء أمني.
 إن الدولة قد تناست أن العنف والإرهاب ليس حدثا عبثيا أو وليد الصدفة و إنما هو مرض اجتماعي و وسيلة سياسية محلية وإقليمية ودولية و نتاج لعدة عوامل متفرقة يلزم علاجها التدخل عبر العديد من الوسائل و ليست وسيلة الهجوم والتعبئة فقط لأنه لن يجدي نفعا على سبيل المثال مع من لديه دوافع ثأرية (وهم بالآلاف) أو مع الأطفال الذين يتم استخدامهم كمفخخين.
كذلك لم تلحظ الدولة أنها لابد أن تستثمر في مجالات الحوار وإرساء جسور السلام المجتمعي لأنه على أقل تقدير سوف يجنبها خسارة البشر والمليارات نتيجة أحداث العنف في المستقبل.
6.      خاتمة :
كشفت أحداث العنف والإرهاب السياسي التي يعيشها المواطن المصري يوميا و يتكبد خسارتها بشكل مستمر أن هناك ضرورة حتمية للتوقف وإعادة النظر في كافة السياسات التي تنتهجها كافة سلطات ومؤسسات الدولة بشكل يطرح سؤالا جوهريا أساسيا مفاداه " لماذا لا تتوقف أو تتناقص أحداث العنف والإرهاب رغم كافة تلك المقاومة؟ "
الأمر الأهم أنه على الجميع أن يدرك أن هناك مكونا أساسيا من مكونات إقامة دولة السلام المجتمعى قد غاب عن المعادلة المصرية، وهو العدالة الانتقالية التي بدونها سيستمر الاحتجاج و الاحتقان والعنف و لن يقر أي سلام، لذا فإن الدولة المصرية عليها أن تشرع جديا في محاولة إقامة مرحلة جديدة قائمة على أسس للعدالة الإنتقالية.
تشارك بعض المؤسسات الإعلامية يوميا وبشكل متعمد في إنتهاج الخطاب الانتحاري و خطابات العنف والتحفيز، بشكل جعل تلك المؤسسات خطرا حقيقيا يتوجب الوقوف عليه وتصحيحه بالشكل الذي يعزز الحريات الإعلامية و يضفي مزيدا من المهنية والموضوعية على الخطاب الإعلامي، وكذلك نشدد على أن يكون الأمر نابعا أولا من تلك المؤسسات وألا يكون تحت أي ضغوط سوى قانونية و مهنية وأخلاقية.
إن مؤسسات التعليم و مؤسسات الدعوة فصيلان أضحى مفرخة للعنف و لخطاب العنف بشكل يجعل من الضروري و العاجل سرعة التدخل في وضع حلول لمواجهة تلك الفاجعة التي فجرتها حالة الاستقطاب السياسي الحاصل بعد 2011، و 2013 .
على الدولة المصرية أن تعيد النظر في اقامة دولة حقيقية لسيادة القانون، وأن تسرع في أن تكون دولة مكتملة الأركان، و قادرة على فتح مسارات حقيقية لتمثيل المواطن و مشاركته في صناعة القرار و على رأس تلك المسارات المنظمات المدنية و النقابية والحزبية، وفضاءات الحرية بالجامعات و المدارس و الأندية و دور الثقافة، وأن تجعل من منح الحرية أساسا وليس منعها، لأن العنف لا يولد إلا عنفا.


شكرا لك ولمرورك